الراي نيوز - رحل شاعر الاردن الاقرب الى عرار شعرا وروحا ،، رحل د محمد عطيات (ابو خلدون ) الذي كان اول من صرخ شعرا للثورة الجزائرية حين كتب قصيدته الشهيرة عام ١٩٦١ والتي مطلعها٠ما زال عالقا بذاكرتي منذ ذلك الحين حين كنا في مدرسة عقبة بن نافع ندفع قرشا تبرعا للثورة الجزائرية كل صباح فالقى ابو خلدون قصيدة :

تضرج بالدما مليون ثائر
على صفحات أرضك يا جزائر
وطال الثأر والايام تترى
فهل للنصر يا وطني بشائر.

سكت ابو خلدون الى الابد وهو الذي كان صوته عاليا ناقدا بصراحة وجرأة في زمن فاض بالنفاق والمنافقين .

وكان قلبه نابضا بحب السلط ساكنا في كل زاوية عتيقة من شوارعها ومبانيها ناقدا لكل ما يراه سلبيا من عادات او شخصيات او سلوكيات وحين غضب ذات مرة بعد ان طفح كيل المتزلفين والمتسلقين كتب قصيدته المشهورة ( نعنع ) وهو شخصية شعبية معروفة في الشارع بالجراة وحدة اللسان فقال :

((يا نعنعُ إمنح ْ بعض السادة جزءا من جرأتك الأدبية ْ
عَلـَّمْ نواب َمدينتنا
درسا في معنى الوطنية ْ
عَرِّفهمْ كيف يكون المسؤول أمينا في رسم قرار
عَرِّفهمْ كيف يكون الفرق جليا بين وزيرٍ و ( حمار )
يا نعنع هذي الأنماط ُ البشرية غارقة في العار
كالقطط البرية تلهو في عظمة أرنبة أو فار
فاختر ْ موقعك العالي
آه لو أنك تـُختارْ
يا نعنع هل هذا وطن أو منفضة للسيجار ؟؟.))

ثم يضيف :
(( يا نعنع
خافتة أصوات الوزراءْ
خافتة أصوات الأعيان
خافتة أصوات النـُّوّاب
صوري ٌّ هذا التمثيل الشعبيُّ وكأية صورة
أما نعنعْ
فهو الصوت الأعلى والأرفع
ويقول إلى الأعور أعورْ
ويقول ُ إلى الأصلع أصلع
يا نعنع
هرولْ بعباءتك الهفهافة في كل الطرقاتْ
وتفرسْ في وجه السادةِ أصحابِ السحناتْ
إن عثرتْ عيناك على حر ٍ في هذا الميدانْ
فاطبقْ في كلتا كفيك عليه بغير استئذانْ
فمشايخُ قومكَ تتكاثرُ كالديدانْ )) .

لم تشهد مدارس السلط مربيا ومعلما مثل محمد عطيات فقد كان يغرس التربية والانتماء قبل التعليم وكان ديمقراطيا مع التلاميذ في وقت مبكر جدا يستمع الى ارائهم ويناقشها وكانوا جميعا يصغون اذا تحدث ويخجلون اذا وجه عبارات التأنيب الممزوج بالعتب ، وحيثما كان فصل دراسي كان هناك مشاغبون واساتذة شاكين الى الادارة إلا حين يدخل محمد عطيات الصف يخيم الصمت ويحلو الحديث والحوار .

كان رحمه الله مربيا قبل ان يكون معلما وكان سلاحه الكلمة لا العصا وكان اقرب الى المثالية منه الى الواقع الصعب وفي كل الاحوال كان محبوبا ومحترما اينما حل .
رحل في غفلة المؤسسة الرسمية العليا و غياب قطاع الثقافة تاركا تراثه الادبي والاخلاقي علامة فارقة تاريخية على جدارن السلط العتيقة

الى رحمة الله ايها المربي المعلم الجليل وإنا لله وإنا اليه راجعون .